خلال جلسة عمل مهمة استضافتها المدينة التعليمية بمنطقة السادس من أكتوبر، التقى الوزير محمد عبد اللطيف بقيادات التعليم من كافة أنحاء البلاد، حيث ضم الاجتماع مسؤولي المديريات التعليمية ونوابهم إضافة إلى مديري الإدارات التعليمية المنتشرة عبر محافظات مصر المختلفة.
تصدرت أجندة هذا اللقاء المهم قضايا جوهرية تمس مستقبل المنظومة التعليمية، حيث استهل الوزير كلمته بتوجيه عبارات الامتنان والعرفان لجميع المشاركين، مشيداً بالجهود الاستثنائية التي قدموها لضمان نجاح الموسم الدراسي المنصرم، وبشكل خاص دورهم البارز في إدارة عملية امتحانات الشهادة الثانوية العامة بكفاءة عالية.
أكد عبد اللطيف أن التزام هذه القيادات وتحملها للأعباء الجسام أثمر عن تحسينات ملحوظة في البنية التعليمية، مثنياً على الإدارة المتميزة والتنسيق البناء بين الفرق الميدانية المختلفة.
وأضاف الوزير قائلاً: “المستقبل يحمل في طياته آفاقاً أوسع، وثقتي كاملة في قدرتكم على تجاوز التحديات المرتقبة بنجاح”.
إنهاء الفترات المسائية: خطوة نحو تحسين البيئة التعليمية
تطرق الوزير إلى موضوع المدارس التي تطبق نظام الفترتين الصباحية والمسائية في المرحلة الأولى من التعليم الأساسي، مؤكداً على أهمية العمل الجاد لإلغاء الدوام المسائي مع بداية العام الأكاديمي الجديد.
وأشار إلى أن أرقام الالتحاق بالسنة الأولى من التعليم الابتدائي تشهد تناقصاً ملحوظاً بسبب تراجع معدلات المواليد في الفترة الأخيرة.
كشف الوزير عن إعداد بحث شامل بالشراكة مع الهيئة العامة للمباني التعليمية يستهدف تقليص الاعتماد على الفترات المسائية، مشيراً إلى إقامة منشآت تعليمية حديثة لاستقبال التلاميذ الذين كانوا يدرسون في الدوام المتأخر.
وأوضح أن مديري الإدارات التعليمية يتمتعون بالكفاءة والتجربة اللازمة لابتكار الحلول المناسبة وفقاً لظروف كل منطقة تعليمية، موجهاً كل مسؤول إداري لعقد جلسات مع مديري المؤسسات التعليمية التابعة لوضع استراتيجية شاملة للحد من الدوام المسائي، مع الاسترشاد بخطة هيئة المباني التعليمية.
البكالوريا المصرية: نحو نظام تعليمي أكثر عدالة ومرونة
انتقل الحديث إلى نظام البكالوريا المصرية الجديد، حيث أكد الوزير محمد عبد اللطيف أن هذا النظام يسعى لتخفيف الأعباء المثقلة على كواهل التلاميذ وذويهم، من خلال طرح منظومة تعليمية تتسم بالمرونة والإنصاف وتعدد الإمكانيات المتاحة.
وصرح قائلاً: “هدفنا ليس إلغاء الثانوية العامة التقليدية، وإنما تقديم خيار بديل يتيح للطالب خوض رحلته التعليمية دون الخوف من مصير ‘المحاولة الوحيدة’، نحن نوفر لأولادنا تجربة تعليمية محلية بمقاييس دولية، ولا بد من تكثيف الجهود التوعوية في سائر المديريات والإدارات التعليمية حول هذا النظام المبتكر”.
أوضح الوزير الخصائص البارزة للبكالوريا الحديثة، مشيراً إلى تطبيقها جنباً إلى جنب مع النظام التقليدي للثانوية العامة، لكن البكالوريا الجديدة تتيح إمكانية المحاولة أكثر من مرة، على عكس النهج التقليدي الذي يحدد مستقبل الطالب من تجربة واحدة فقط، إذ يسمح نظام البكالوريا بإعادة المحاولة عدة مرات عبر فرص التحسين المتاحة.
معايير موحدة للتنسيق الجامعي
أضاف وزير التربية والتعليم أن معايير التنسيق المعمول بها في منظومة الثانوية العامة الحالية ستكون ذاتها القواعد التي ستُطبق على طلاب البكالوريا دون أي تفضيل أو تمييز، سواء في الكليات النظرية أو العملية، ولن يكون هناك فصل بين النظامين عند الالتحاق بالجامعات.
وأكد الوزير أن الغاية من نظام البكالوريا هي “تحرير الطالب من قيود المحاولة الواحدة”، مشيراً إلى أن الضغوط النفسية التي يواجهها الطلاب المصريون في الثانوية العامة لا نظير لها في الأنظمة التعليمية المعاصرة.
وأوضح أن منظومة البكالوريا الجديدة تكفل للطالب الذي لا يتوفر لديه إمكانيات مالية كافية للتعليم الخاص أو الدولي، الحصول على فرص تعليمية وتقييمية متنوعة بنفس مستوى الجودة المتوفرة في الأنظمة الأخرى.
واختتم الوزير حديثه عن البكالوريا بقوله: “نحن نعيد تشكيل رؤية التعليم، ونعيد للطالب إمكانياته وطموحاته في سبيل التحصيل العلمي، فلم نعد نرضى بأن يرتبط حلم الطالب بأكمله بنصف نقطة أو خطأ في الطباعة”، مؤكداً أن مستقبل الأجيال يجب أن يُبنى على القدرة والكفاءة وليس على الفرصة المفردة.
تطوير المناهج بمعايير وطنية وعالمية
تناول الوزير محمد عبد اللطيف جهود الوزارة الجدية في تحديث المناهج الدراسية لتتماشى مع متطلبات الطلاب وتراعي التنوع في القدرات الفردية، مشيراً إلى أن البحوث التي أُجريت مؤخراً كشفت عن وجود نسبة من التلاميذ يواجهون تحديات في مهارات القراءة، كما أظهرت أن أجزاء معينة من المناهج تتصف بالتعقيد المفرط.
أوضح الوزير أنه تم إعداد مناهج حديثة بالتعاون مع مجموعة من المؤسسات الدولية والمحلية، بالإضافة إلى دور النشر الوطنية، مؤكداً أن هذه المناهج المطورة وطنية بالكامل وتملكها حصرياً وزارة التربية والتعليم والتعليم الفني.
وفي هذا الإطار، أشار إلى انطلاق برامج تدريب معلمي اللغة العربية على المناهج المحدثة، على أن تبدأ الأسبوع التالي دورات تدريبية لمعلمي الدراسات الاجتماعية، تليها برامج إعداد معلمي اللغة الإنجليزية، وذلك ضمن خطة الوزارة لضمان التطبيق الفعال للمناهج الحديثة داخل القاعات الدراسية.
الاستعداد للعام الدراسي الجديد
خلال الجلسة، شدد الوزير محمد عبد اللطيف على أهمية إنجاز التحضيرات الخاصة بالموسم الدراسي الجديد في جميع المؤسسات التعليمية، بما يتضمن أعمال الترميم البسيطة وطلاء الفصول والأسوار، والعناية بالمساحات الخضراء وتجميل البيئة المدرسية، بما يعكس أجواء تعليمية نظيفة وآمنة تستقبل الطلاب وتحفزهم على الانتظام من اليوم الأول.
أكد الوزير على أهمية تعزيز قيم الانضباط والتصرفات الإيجابية في شخصيات الطلاب، موجهاً بنشر تعليمات واضحة في جميع المدارس تحث التلاميذ على المحافظة على نظافة مؤسستهم التعليمية ومرافقها، باعتبارها منزلهم الثاني، الذي يجب أن يسوده النظام والجمال بما ينعكس إيجابياً على أدائهم الأكاديمي وسلوكهم العام.
توزيع الكتب المدرسية ووحدات الجودة
وجه الوزير محمد عبد اللطيف المديريات التعليمية بضرورة الإسراع في استلام الكتب المدرسية التي انتهت عملية طباعتها من مستودعات الوزارة، مع أهمية سحب الكميات تدريجياً لضمان توفرها قبل انطلاق العام الدراسي.
كما وجه بإنهاء تشكيل الوحدة المركزية للجودة في كل مديرية تعليمية، والتي يتم تكوينها من الكوادر التعليمية المحالة على التقاعد من مديري المديريات والإدارات والمدارس، نظراً لما يتمتعون به من خبرات واسعة ومؤثرة في القطاع التعليمي، والتي تضم حوالي 10 أفراد من المتخصصين، والذين يتولون تنفيذ جولات ميدانية شاملة لتقييم الأداء التعليمي داخل المدارس، وفق معايير محددة ومعتمدة، وذلك لرفع كفاءة العملية التعليمية وضمان جودة الأداء في المؤسسات التعليمية.
اهتمام بالبيئة المدرسية والمحيط الخارجي
شدد الوزير محمد عبد اللطيف على ضرورة الاهتمام بنظافة المدارس من الداخل، وكذلك بمحيطها الخارجي، باعتبار النظافة عنصراً جوهرياً في بيئة تعليمية صحية وجذابة، موجهاً بضرورة التنسيق والتواصل مع المحافظين ورؤساء الأحياء لإزالة أي إشغالات أو نفايات محيطة بالمدارس، بما يساهم في إيجاد بيئة منظمة وآمنة، ويرسخ في نفوس الطلاب قيم الانضباط والنظام، ويعزز شعورهم بأن المدرسة هي المكان الأمثل لهم للتحصيل والنمو والتفوق.
حوار تفاعلي وتبادل الخبرات
شهد الاجتماع نقاشاً مفتوحاً بين الوزير والحضور، استمع خلاله إلى مختلف وجهات النظر والمبادرات المقترحة من مديري ونواب المديريات، ومديري الإدارات التعليمية والتي تناولت التحديات الميدانية وطرق تحسين الأداء داخل المؤسسات التعليمية، وقد تم عرض عدد من الحلول العملية والواقعية، انطلاقاً من حرص الوزارة على تبني رؤية تشاركية تقوم على الحوار والاستماع لكافة الأطراف المشاركة في العملية التعليمية.
من ناحيتهم، أشاد مديرو المديريات والنواب ومديرو الإدارات التعليمية بالجهود والآليات التي تم تطبيقها خلال العام الدراسي المنصرم، وبنظام البكالوريا لتخفيفه العبء عن كاهل أولياء الأمور، كما أثنوا على الإجراءات المتبعة في امتحانات الثانوية العامة هذا العام، وقدروا الاجتماعات الدورية المستمرة التي يحرص الوزير على تنظيمها مع مختلف أطراف المنظومة التعليمية لطرح المشكلات والتحديات وسبل حلها بآليات واقعية.
كما أشادوا بجهود وزير التربية والتعليم وقيادات الوزارة، مقدرين ما تحقق من إنجازات ملموسة في الفترة الأخيرة على صعيد تطوير المنظومة التعليمية.
“عام جودة التعليم” شعار المرحلة المقبلة
في هذا السياق، أكد الوزير على أن العام الدراسي المقبل سيُخصص بالأساس لتعزيز جودة التعليم، باعتبارها حجر الأساس في بناء نظام تعليمي فعّال ومستدام.
وأعلن أن العام الدراسي القادم سيحمل شعار “عام جودة التعليم”، مما يعكس التزام الوزارة بوضع معايير الجودة في المقدمة لتحقيق نقلة نوعية في المنظومة التعليمية المصرية.